مشروع الجزيرة لا تحتاج إلى استثمار مصري

بشير: الاحدبقلم : ياسين حسن اث
تتوالى خطوات إزالة مشروع الجزيرة من خارطة الاقتصاد الوطني السوداني دون أية اعتبارات تنموية مستقبلية فبعد أن تم بيع مؤسسات المساندة الفنية بالمشروع كالمحالج والسكة حديد بالإضافة إلى منازل العاملين تداولت أجهزة الإعلام خلال الأيام الماضية خبر فتح الباب للحكومة المصرية للاستثمار بمشروع الجزيرة.
والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو: لماذا يحدث كل ذلك لأكبر مشروع زراعي في البلاد يمكن أن يتحول إلى مفتاح للتنمية الاقتصادية؟ ولماذا ترصد الدولة الأموال لتنفيذ مشاريع زراعية جديدة في إطار ما يسمى بالنهضة الزراعية ولا تعمل على تمويل مشروع الجزيرة وإعادة تأهيله... فأيهما أجدى للاقتصاد الوطني... تمويل مشروع قائم به جميع المقومات الأساسية للنجاح إذا توفر له الدعم اللازم من الدولة أم تمويل مشاريع جديدة متعثرة أصلاً كمشروع سندس الزراعي؟
إن مشروع الجزيرة قد تم تأسيسه على أساس أنه مشروع يقوم على دعم ورعاية وتمويل الدولة وهذا ليس أمراً شاذاً من ناحية اقتصادية لأنه مشروع قومي استراتيجي ضخم لا يمكن أن يتم تشغيله اعتماداً على إمكانيات المزارعين الأفراد... كما لا يمكن خصخصته بالمعنى التقليدي لأن القطاع الخاص مهما تعاظمت إمكاناته لا يستطيع تسيير مشروع بهذا الحجم... وحتى في الدول الغربية المتقدمة صاحبة الاقتصاد الحر تتولى الدولة تمويل ودعم بعض المشاريع التي ترتبط استراتيجياً بتنمية وتطور البلاد ولا يمكن التفريط فيها.
إن مشروع الجزيرة يعتبر مشروعاً رائداً وقائداً للتنمية الزراعية في البلاد التي هي بدورها تعتبر القطاع الرئيسي للتنمية الاقتصادية في السودان وبالتالي من المستغرب أن ترفع الدولة يدها عنه تماماً ثم بعد ذلك تأتي بجهة أجنبية للاستثمار فيه... فمشروع الجزيرة ليس مشروعاً عادياً بالنسبة للاقتصاد الوطني السوداني.
إن عملية إعادة تأهيل مشروع الجزيرة لا تحتاج إلى استثمار مصري وإنما تحتاج إلى خطوات جادة من قبل الدولة ألخص أهمها فيما يلي:- أولاً: أتاحت الفرصة لأصحاب العلم والخبرة من الزراعيين السودانيين أن يتولوا شؤون الزراعة بشكل عام في السودان تخطيطاً وتنفيذاً... فكيف لبلد كالسودان به أعداد كبيرة من عظماء الزراعيين في إفريقيا يكلف فيه طبيب بإدارة شؤون الزراعة في السودان...؟ هذه أول خطوة لإصلاح الأوضاع ويتبعها بالضرورة كسر حاجز الولاء السياسي والاستعانة بذوي الكفاءة من الزراعيين بعيداً عن التصنيف السياسي للمشاركة في دراسة أوضاع مشروع الجزيرة حالياً ووضع تصور وطني واقعي وعملي للمعالجة.
ثانياً: إلغاء ما يسمى بالنهضة الزراعية وتوجيه كل الأموال والمشاريع والخطط لتصبح تحت مظلة واحدة هي وزارة الزراعة الاتحادية منعاً للازدواجية وتشتيت الجهود والأموال فيما لا يفيد... وزارة واحدة + أهداف قومية محددة + خطة عمل قومية واحدة للتنمية الزراعية.
ثالثاً: الإقرار بأن مشروع الجزيرة هو المشروع الرائد للتنمية الاقتصادية في السودان وإعادة تخطيطه ليتحول تدريجياً لمشروع للإنتاج الغذائي النباتي والحيواني بمواصفات عالمية لتغطية الاستهلاك المحلي والتصدير وهذا يتطلب أن تتوجه جل اعتمادات التنمية الاقتصادية لمشروع الجزيرة باعتبار أن بترول السودان هو الإنتاج الغذائي النباتي والحيواني.
رابعاً: إخراج مشروع الجزيرة من اللعبة السياسية مع مصر... فإذا كانت هناك معادلات سياسية فيجب أن لا تتم على حساب المصالح الاقتصادية المستقبلية للسودان... فالدولة المصرية الحديثة منذ يوليو 1952م قد اعتادت أن تحقق مصالحها في السودان عبر المعادلات السياسية في لحظات الضعف السياسي التي يشعر فيها النظام الحاكم في السودان أنه يحتاج لدعم الدولة المصرية على المستوى الإقليمي والدولي.
خامساً: أنا هنا لا أنكر أننا قد نحتاج إلى مساعدة أجنبية ولكن قطعاً نحن لا نحتاج إلى مستثمر أجنبي ليأتي بنفسه ويستثمر في مشروع الجزيرة وإنما نحتاج لخبرة تقنية زراعية لترقية العملية الإنتاجية أو لقروض مالية أو لتدريب لكوادرنا الزراعية الشابة العاملة بالحقل... وكل هذا ليس لدى مصر وإنما لدى الدول المتقدمة كأستراليا وكندا وأمريكا.
خلاصة القول هي أن هذا الذي يحدث فيما يتعلق بمشروع الجزيرة يتجاوز تدمير حاضر السودان إلى مستقبله... فهل كل ما واجهتنا إشكالات في مشروع قومي استراتيجي نهرب لبيعه لجهة أجنبية... ألا تكفينا تجربة بيع سودانير وتجربة بيع البنك العقاري لجهات أجنبية... لماذا لا نقبل التحدي الوطني بإصلاح المشاريع وإعادة تأهيلها... لماذا هذا الضعف والهوان في مواجهة الواقع وتطويره؟
أوقفوا هذا العبث بمستقبل البلاد وأبعدوا مصر عن مشروع الجزيرة وابحثوا عن حلول وطنية خالصة.

» الادارة تحتاج الي مشرفين
» كود قناة الجزيرة الرياضية