انواع الشهاده وفضل سوره الملك

أنواع الشهادة وفضلُ سورةِ الْمُلْكِ

ا[1]عن ابنِ عَبَّاسٍ عن النبيِّ، صلَّى الله عليه وسلَّم، أنَّه قال في سورةِ الْمُلْكِ :[[(وَدِدْتُ أنَّها في جوفِ كلِّ إنسانٍ من أمَّتي)]]ا

رواه الحافظُ ابنُ حَجَرٍ في (أماليه)..ا

ا[2]وروى التِّرْمِذِيُّ في (سننهِ) حديثًا عن رسولِ الله حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ نفسُه وهو :[[(إنَّ سورةً من القرءانِ ثلاثونَ ءايةً شَفَعَتْ لرجلٍ حتَّى غُفِرَ له، وهي سورةُ تبارك الذي بيدِه الْمُلْكُ)]]ا

ا[3]وروى هذا الحديثَ أيضًا أبو داودَ في (سننه) بلفظ :[[(سورةٌ من القرءانِ ثلاثونَ ءايةً تشفع لصاحبها حتَّى يُغْفَرَ له)]]ا

ا[4]ورواه ابنُ ماجه في (سننه) بلفظ :[[(إنَّ سورةً في القرءانِ ثلاثونَ ءايةً شَفَعَتْ لصاحبها حتّى غُفِرَ له، تبارك الذي بيده الْمُلْكُ)]]ا

ا[5]وجاء في (سنن التِّرْمِذِيِّ) أنَّ رجلًا ضرَب خِباءَهُ على قبرٍ وهو لا يحسَب أنَّه قبر فإذا فيه إنسانٌ يقرأ [[تبارك الذي بيدِه الْمُلْكُ]] حتَّى خَتَمَهَا، فأخبَر الرجلُ رسولَ الله بذلك، فقال رسولُ الله له :[[(هي المانعةُ هي الْمُنْجِيَة، تُنْجِيهِ من عذابِ القبر)]]ا

والحديثُ حسَن، حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ في (سننه) بعد روايته له، والسُّيُوطِيُّ في (الجامعِ الصغير)..ا

ا[6]وروى الضِّيَاءُ الْمَقْدِسِيُّ من حديثِ أبي هريرةَ أنَّ رسولَ الله، صلَّى الله عليه وسلَّم، قال :[[(إنَّ في القرءانِ ثلاثينَ ءايةً تستغفِر لصاحبها حتَّى يُغْفَرَ له، تبارك الذي بيدِه الْمُلْكُ)]]ا
فمن حافظ على قراءتِها كلَّ يومٍ كان داخلًا في هذا الحديث..ا

إنَّ الذي يحافظُ على قراءةِ سورةِ الْمُلْكِ كلَّ يومٍ قراءةً صحيحةً مَعَ نيّةٍ صحيحةٍ لا يُعَذَّبُ في قبره ولا في الآخرةِ ولو كانت عليه ذنوبٌ كبيرةٌ مات ولم يتب منها.. وأمَّا مَنْ عزَم على قراءتِها كلَّ يومٍ وشرَع في ذلك ومات بعد يومٍ أو يومين فلم يَرِدْ نَصٌّ أنَّه لا يُعَذَّبُ في قبره.. عِلْمُ هذا عند الله..ا

وكان عثمانُ، رضي الله عنه، إذا أتى القبورَ بكى حتَّى يَبُلَّ لحيتَه بالدموع، فقيل له في ذلك فقال

ا:[[فإن تَنْجُ منها تَنْجُ من عظيمةٍ ـــ وإلّا فإنِّي لا إخالُك ناجيًا]]ا

أي لا أظنُّك ناجيًا..ا

وروى التِّرْمِذِيُّ في (سننه) أنَّ رسولَ الله، صلَّى الله عليه وسلَّم، قال :[[(إنَّ القبرَ أوَّلُ منزِل من منازل الآخرة، فإن نجا منه فما بعدَه أيسرُ منه، وإن لم يَنْجُ منه فما بعدَه أشدُّ منه)]]ا

لكن هناك حديثٌ ءاخَرُ أقوى إسنادًا يُفْهَمُ منه أنَّ من عُذِّبَ في قبرِه ليس شرطًا أن يتعذَّب في الآخرة.. والله أعلم..ا

أنظر[(الشرح القويم)/ط6/ص380]للشيخ عبدِ اللهِ الهَرَرِيِّ رحمه الله..ا

.

ومن أسبابِ النجاةِ من عذابِ القبر وعذابِ الآخرةِ لمن مات قبل التوبةِ أن يموتَ مسلمًا وقد نال نوعًا من أنواع الشهادة.. والشهاداتُ سوى القتلِ في سبيلِ الله كثيرة.. فالمسلمُ الذي يموتُ بغَرَقٍ شهيد.. والذي يموتُ بحَرْقٍ شهيد.. والذي يموتُ بمرضِ ذاتِ الجَنْبِ شهيد.. وهو ورمٌ ينشأ داخلَ الخاصِرة ثمّ يظهر وينفتح إلى الخارج فيحصُل لصاحبهِ حُمَّى وقَيْءٌ واضطراباتٌ أخرى.. والذي يقتلُه بطنُه، أي يموتُ بسببِ إسهالٍ أو احتباسِ ريح أو غائط، هو أيضًا شهيد..ا

روى التِّرْمِذِيُّ في (سننه) عن رسولِ الله، صلَّى الله عليه وسلَّم، أنَّه قال :[[(من قتله بطنُه لم يعذَّب في قبره)]]ا

والمسلمُ الذي يموتُ تحت الهَدْمِ هو أيضًا شهيد.. وكذلك الذي يموتُ بالتردِّي من عُلْوٍ إلى سُفْلٍ هو شهيد أيضًا.. وكذلك المرأةُ المسلمةُ التي تموتُ بألمِ الولادةِ هي شهيدة.. وهناك أيضًا شهاداتٌ أخرى غيرُ هذه المذكورة، ورد ذكرُها في أحاديثَ أخرى، وذلك كالذي يُقْتَلُ دون أهلهِ أو مالهِ أو ولدِه.. ويحتمِل أن يكون شهيدًا مَنْ مات من المسلمين غريبًا‎ عن بلدِه وأهله، وذلك للحديثِ الضعيف :[[(موتُ غُرْبَةٍ شهادة)]]ا

هذا الحديثُ رواه ابنُ ماجه في (سننه) من طريقِ عبدِ الله بنِ العَبَّاسِ، وقال الحافظُ ابنُ حَجَرٍ في (بذل الماعون) :[[سنده واهٍ]]ا

وكذلك من قُتِلَ ظلمًا فهو شهيد.. قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم :[[(الشهداء : الغَرِقُ والمطعونُ والمبطونُ والهَدِمُ)]]ا

رواه البخاريُّ في (صحيحه)..ا

الغَرِقُ، بكسر الراء، هو الذي مات غَرَقًا.. والهَدِمُ، بكسر الدال، هو الذي مات تحت بناءٍ انهدم عليه..ا

ورواه البخاريُّ أيضًا بلفظ :[[(الشهداءُ خمسة : المطعونُ والمبطونُ والغريقُ وصاحبُ الهَدْمِ والشهيدُ في سبيلِ الله)]]ا

ورواه النَّسَائِيُّ بلفظ :[[(الشهادةُ سبعٌ سوى القتلِ في سبيلِ الله.. المطعونُ شهيد.. والمبطونُ شهيد.. والغريقُ شهيد.. وصاحبُ الهَدَمِ شهيد.. وصاحبُ ذاتِ الجَنْبِ شهيد.. وصاحبُ الحَرَقِ شهيد.. والمرأةُ تموتُ بجُمْعٍ شهيدة)]]ا
والهَدَمُ، بفتحتين، هو البناءُ المنهدِم.. والحَرَقُ، بفتحتين، النار..ا

فالذي يقتلُه الطاعونُ من المسلمين يكون شهيدًا.. والطاعونُ ورمٌ يحدُث في المواضع الرقيقةِ من الجسد ويحصُل منه حُمَّى وإسهالٌ وقَيْءٌ.. وقد انتشر في زمنِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ طاعونٌ مات منه سبعونَ ألفَ نسَمة..ا

وقد سئِل النبيُّ، صلَّى الله عليه وسلَّم، عن الطاعون فقال :[[(وَخْزُ أعدائكم من الجِنِّ)]]ا

روى هذا الحديثَ الإمامُ أحمد في (مسنده) من طريق أبي موسى الأشعريِّ، وصَحَّحَهُ الدِّمْيَاطِيُّ في (المتجَر الرابح) والهيثميُّ في (مجمع الزوائد)..ا

وفي (صحيح البخاريِّ) أنَّ رسولَ الله، صلَّى الله عليه وسلَّم، قال :[[(الطاعونُ شهادةٌ لكلِّ مسلم)]]ا

وفي (صحيح البخاريِّ) أيضًا أنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ لمَّا رحل قاصدًا بلادَ الشامِ أخبره أمراءُ الأجناد، أي أمراءُ الْمُدُنِ، وهو في الطريق، أنَّ الطاعونَ قد وقع بأرضِ الشام، فعَزَم على أن يعود، فقال له أبو عُبَيْدَةَ بنُ الجرَّاح :[[أفِرارًا من قدر الله؟؟]].. فقال عمر :[[لو غيرُك قالها يا أبا عُبيدة، نعم نَفِرُّ من قَدَرِ الله إلى قَدَرِ الله]]ا

وروى البخاريُّ في (صحيحه) عن عبدِ الرحمنِ بنِ عَوْفٍ أنَّه سمِع رسولَ الله يقول في الطاعون :[[(إذا سمعتم به بأرضٍ فلا تَقْدَمُوا عليه، وإذا وقع بأرضٍ وأنتم بها فلا تخرُجوا فِرارًا منه)]]ا

ااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا
تـــنـــبـــيـــه مـــهـــمّ

يقولُ الله تعالى في سورة ءالِ عِمران ((ولا تَحْسَبَنَّ الذين قُتِلُوا في سبيلِ الله أمواتًا بل أحياءٌ عند ربِّهم يُرْزَقُون)).. فمن صَحَّتْ له الشهادةُ في أرضِ المعركةِ ضِدَّ الكُفَّارِ يقال له مات، يجوز أن يقال له مات، وليس في ذلك معارضةٌ للقرءان.. إنَّما الآيةُ تعني أنَّه لا يبقى بعد موته مَيْتًا، وإنَّما هو، بعد موته، حيٌّ بحياةٍ يعطيهِ اللهُ إيَّاها.. الآيةُ تعني أنَّ من ثبَتت له الشهادةُ في أرضِ المعركةِ ضِدَّ الكُفَّارِ فإنّ الله تعالى يحييه بعد موته.. هذا ما تعنيه الآيةُ الكريمةُ في سورة ءال عِمران ((ولا تَحْسَبَنَّ الذين قُتِلُوا في سبيلِ اللهِ أمواتًا بل أحياءٌ عند ربِّهم يُرْزَقُون)).. ولذلك لا يقالُ لمن ثبَتت له الشهادةُ في أرضِ المعركةِ ضِدَّ الكُفَّارِ {{هو الآنَ مَيْتٌ}}، بل يقال :{{هو الآنَ حَيٌّ بعد أن مات}}.. هكذا يقال.. يقال :{{هو الآنَ حَيٌّ بعد موته}}.. أليس يقال في سيِّدنا مُحَمَّدٍ إنَّه قد مات؟؟، بلى، يقال ذلك.. يقال :{{مات رسولُ اللهِ محمَّد}}.. ولكن لا يقال {{هو الآنَ مَيْتٌ}}.. بل يقال :{{هو الآنَ حَيٌّ في قبره}}.. فإنَّه قد ورد من حديثِ أنَسِ بنِ مالكٍ عن النبيِّ، صلَّى الله عليه وسلَّم، أنَّه قال :[[(الأنبياءُ أحياءٌ في قبورِهم يصلُّون)]]ا
والحديثُ رواه أبو يَعْلَى في (مسنده)، وقال الهيثميُّ في (مجمع الزوائد) :[[رجالُ أبي يَعْلَى ثقات]]، وحَسَّنَهُ السُّيُوطِيُّ في (الجامع الصغير)، وصَحَّحَهُ البيهقيُّ في جزءِ حياةِ الأنبياءِ بعد وفاتِهم رقم/15، وأورده الحافظُ ابنُ حَجَرٍ على أنَّه ثابتٌ في[(فتح الباري)/ج6/ص487]، وذلك لِمَا التزَمه أنَّ ما يذكُره من الأحاديثِ شرحًا أو تَتِمَّةً لحديثٍ في (متن البخاريِّ) فهو صحيح أو حسن.. ذكر ذلك في الصحيفةِ الرابعةِ من مقدِّمة كتابه (فتح الباري)..ا

يقول ابنُ حَجَرٍ في[(فتح الباري)/كتاب الأنبياء]ما نصُّه :[[وقد جمع البيهقيُّ كتابًا لطيفًا في حياةِ الأنبياءِ في قبورهم أورد فيه حديثَ أنَس :[[(الأنبياءُ أحياءٌ في قبورهم يصلُّون)]]، أخرجه من طريقِ يحيى بنِ أبي كثير وهو من رجالِ الصحيح عن المستلِم بنِ سعيدٍ وقد وَثَّقَهُ أحمدُ وابنُ حِبَّانَ عن الحَجَّاجِ الأسودِ وهو ابنُ أبي زيادٍ البصريِّ وقد وَثَّقَهُ أحمدُ وابنُ مُعِينٍ عن ثابتٍ عنه]]انتهى..ا

وخلاصة الكلامِ السابقِ أنَّه لا يقالُ لمن ثبَتت له الشهادةُ في أرضِ المعركةِ ضِدَّ الكُفَّارِ {{هو الآنَ مَيْتٌ}}، بل يقال : هو الآنَ حَيٌّ بعد موتهِ بحياةٍ بيَّنها لنا رسولُ الله، صلَّى الله عليه وسلَّم، في الحديثِ الثابتِ عنه وهو :[[(أرواحُهم في جوفِ طيرٍ خُضْرٍ لها قناديلُ مُعَلَّقَةٌ بالعرشِ تَسْرَحُ من الجَنَّةِ حيث شاءت ثمّ تَأوي إلى تلك القناديل)]]ا

رواه الإمامُ مسلمٌ في (صحيحه)..ا

والمعنى أنَّهم قبل يومِ القيامة، يخلُق الله لهم في الجَنَّةِ أجسادًا تكونُ بصورة طيور، وأرواحُهم تكون في حواصِل هذه الطيور يطيرون في الجَنَّةِ ويأكلون من ثمارها.. وأمّا يومَ القيامةِ فكلُّ واحدٍ منهم يأخذ مُتَبَوَّأَهُ الخاصَّ به فلا يدخلون في حواصِل الطيورِ التي في الجَنَّةِ..ا

.

ولا يجوز غسلُ شهيدِ المعركةِ ولا تجوز الصلاةُ عليه لأنَّ الله تعالى طهَّره بالشهادة وتولّاه برحمته فأغناه عن دعاء المصلِّين..ا

ولا يُسْأَلُ الشهيدُ في قبره، ولذلك لا يُلَقَّنُ بل تصعد روحُه إلى الجَنَّةِ فيعيش فيها إلى أن يُبْعَثَ أهلُ القبور من قبورهم فتُرَدُّ روحُه إلى جسدِه ردًّا تامًّا فيخرُج من قبرهثمّ يتبوَّأ منزلَه في الجَنَّةِ بجسدِه وروحه.. ولا يأكلُ ترابُ القبر جسَد شهيدِ المعركةِ لأنّ أثرَ الحياةِ مُتَّصِلٌ به كالشمسِ تكون بعيدةً عن الأرضِ ويَتَّصِلُ أثرُها بالأرض..ا

.

ومن نِعَمِ اللهِ على عبادِه المؤمنينَ أنَّ من مات منهم بنوعٍ من أنواع الشهادةِ فإنَّ الله يغفِر له ولا يعذِّبه ولو كان عنده من الذنوب قدرُ الجبال.. فكيف إذا كان موتُه بأفضل أنواع الشهادة..ا

الذي يموتُ وهو يقاتلُ في سبيلِ الله بنيّةٍ خالصةٍ لا رياءَ فيها ينالُ أفضلَ أنواع الشهادة.. فشهيد المعركةِ مهما كان عليه ذنوبٌ يومَ القيامةِ فإنَّه يخيَّر من أيِّ أبواب الجَنَّةِ الثمانيةِ شاء أن يدخل.. ثمَّ إنَّ ملائكةَ الرحمةِ يحمِلون روحَ شهيد المعركة، لحظةَ موته، بخِرقة من حرير، يأتون بها من الجَنَّةِ فيأخذون هذه الروحَ من عَزْرائيلَ ولا يتركونها في يدِه طَرْفَةَ عين..ا

وقد ثبَت عن رسولِ اللهِ، صلَّى الله عليهِ وسلَّم، أنَّه قال :[[(إنَّ السيفَ مَحَّاءُ الخطايا)]]ا

رواه أحمدُ بنُ حنبلٍ في (مسندِه) من طريقِ عُتْبَةَ بنِ عبدٍ السُّلَمِيِّ وصَحَّحَهُ الدِّمْيَاطِيُّ في (المتجرِ الرابح) والمنذِريُّ في (الترغيبِ والترهيب) والحافظُ الهيثميُّ في (مجمعِ الزوائد)..ا

وعن عبدِ اللهِ بنِ أبي أَوْفَى، رضي الله عنه، أنَّ رسولَ الله، صلَّى الله عليه وسلَّم، قال :[[(واعلموا أنَّ الجَنَّةَ تحتَ ظِلالِ السيوف)]]ا

رواه البخاريُّ ومسلمٌ في (صحيحَيهما)..ا

.