قصه وفاه السيده نفيسه بنت الحسن بنت على

قِصَّةُ وفاةِ السَّيِّدَةِ نفيسةَ بنتِ الحسنِ الأنورِ

هي السَّيِّدَةُ نفيسةُ بنتُ أبي مُحَمَّدٍ الحَسَنِ الأنورِ بنِ زيدٍ الأبلجِ بنِ الحَسَنِ السِّبْطِ بنِ الإمامِ عليٍّ كَرَّمَ اللهُ وجهَه.. وُلِدَتْ، رضيَ الله عنها، في مَكَّةَ الْمُكَرَّمَةِ، ونَشَأَتْ في المدينةِ المنوَّرة بالقرب من جَدِّها رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم.. ولَمّا بلغَت مبلغَ الشبابِ، وكانت مشهورةً بالصلاحِ والتُّقَى، تَزَوَّجَهَا الإمامُ إسحاقُ بنُ جعفرٍ الصادقِ بنِ مُحَمَّدٍ الباقرِ بنِ زينِ العابدينَ بنِ الحسينِ بنِ عليِّ بنِ أبي طالب.. ثمّ انتقلَت نفيسةُ إلى القاهرةَ في مِصْرَ.. ولقد حَجَّتْ ثلاثينَ حَجَّةً.. وكانت تحفظ القرءانَ الكريمَ والحديثَ النَّبَوِيَّ الشَّريفَ.. ولَمّا أتى الإمامُ الشَّافِعِيُّ، رضي الله عنه، إلى مِصْرَ، اجتمع بها وأخذ عنها من العلمِ ما شاء الله له أن يأخذ.. وكان يسألُها أن تدعوَ اللهَ له.. وكان إذا مَرِضَ أرسلَ إليها، فكانت تدعو اللهَ تعالى له فلا يَرْجِعُ رسولُ الشَّافِعِيِّ إلّا وقد عوفيَ الشَّافِعِيُّ ببركةِ دعائِها.. ولَمّا مات الشَّافِعِيُّ (سنة 204 هـ) كانتِ السَّيِّدَةُ نفيسةُ من بينِ الذين صَلُّوا عليه..ا

وكان مِمَّنْ يزورُ السَّيِّدَةَ نفيسةَ أيضًا للتبرٌّك بدعائِها سَيِّدُنا ذو النُّونِ الْمِصْرِيُّ الوليُّ العارفُ بالله تعالى صاحبُ الْمَقُولةِ المشهورة :[[مهما تَصَوَّرْتَ ببالك فاللهُ بخلافِ ذلك]].. وكان يزورُها كذلك بعد وفاتِها.. وفي رمضانَ من عامِ مِائَتَيْنِ وثمانيةٍ للهجرةِ المباركةِ وفي أوَّلِ أسبوعٍ منه اشتدَّ على السَّيِّدَةِ نفيسةَ المرضُ وهي صائمة، فأشار عليها بعضُ الناسِ بأن تُفْطِرَ.. فقالت :[[واعجباه!!، إنّ لي ثلاثينَ سنةً وأنا أسألُ الله، عزَّ وجلَّ، أن يَتَوَفَّاني وأنا صائمة، أفأفطِر؟!!.. واللهِ لا أُفْطِرُ]].. وإنّما قالت هذا لأنّها علمَت أنّ الاستمرارَ في الصِّيامِ لا يَضُرُّهَا مَعَ الأَلَمِ الذي تقاسيه.. ولكن بعد أيّامٍ تفاقمَ ألمُها ومرضُها، فنَطَقَتْ بكلمةِ التوحيدِ وفارقتِ الحياةَ راضيةً مَرْضِيَّةً وذلك بعد موتِ الإمامِ الشَّافِعِيِّ بأربعِ سنين..ا
أَوْصَتِ السَّيِّدَةُ نفيسةُ الوَلِيَّةُ الصالحةُ، وهي تُحْتَضَرُ، أن لا يتولَّى دفنَها إذا ماتت إلّا زوجُها.. وكان زوجُها مسافرًا.. وما كاد زوجُ نفيسةَ يصِل من السفرِ حتّى فارقت نفيسةُ الحياةَ.. فهيَّأ زوجُها لها تابوتًا وقال :[[إنّي لا أدفِنُها إلّا في البقيعِ قربَ ضريحِ جدِّها المصطفى صلَّى الله عليه وسلَّم]].. فألَحَّ عليه أهلُ مِصْرَ إلحاحًا شديدًا أن يدفِنَها فيما بينَهم في القاهرةِ رجاءَ أن تصيبَهم بَرَكَتُهَا.. فأبى إلّا أن يحملَها إلى المدينة..ا

فاجتمعوا وقصدوا أميرَ مِصْرَ ليُقْنِعَ زوجَها بأن يدفِنَها عندَهم في القاهرةِ ولا سيَّما وأنّها كانت قد حفَرت، قبل موتِها بسنواتٍ كثيرة، قبرَها بيدِها في دارِها وخَتَمَتْ فيه القرءانَ الكريمَ سِتَّةَ ءالافِ خَتْمَةٍ.. ولكنْ زوجُها أصرَّ على نقلِها إلى المدينةِ المنوَّرة.. فجمعوا له مالًا جزيلًا وسألوه أن يُبْقِيَهَا عندَهم، فأبى.. فباتوا ليلتَهم في ألَمٍ عظيمٍ وهَمٍّ جسيمٍ وقد تركوا المالَ عندَه.. ولَمّا أطَلَّ الصَّبَاحُ جاءوه فوجدوا منه ما لم يَرَوْهُ من قبلُ.. لقد وافقَ على طلبهم ورَدَّ عليهم مالَهم.. ولَمّا رأى نظراتِ الحَيْرَةِ والتعجُّب والاستفهامِ في وجوهِهم قال لهم :[[رأيتُ رسولَ الله، صلَّى الله عليه وسلَّم، في المنام، ليلةَ البارحةِ وقال لي :[[يا إسحاقُ، رُدَّ على أهلِ مِصْرَ أموالَهم وادفِنها عندَهم]]..]]ا

وكان يومُ دفنِها يومًا مشهودًا ازدحَم فيه الناسُ ازدحامًا شديدًا.. ولا يزالُ قبرُها الكريمُ إلى يومنا هذا يُزَارُ.. وهو مشهورٌ يقصِده المسلمونَ من شتّى بقاعِ الأرضِ للتبرُّك به، فإنّه أحدُ المواضعِ المعروفةِ والمشهورةِ بإجابةِ الدعاءِ بمِصْرَ..ا

ومِمّا قيلَ في مدحِ السَّيِّدَةِ نفيسة

يا صاحِ إن رُمْتَ الحياةَ العامرَة//فاقصِد حِمَى بنتِ الكرامِ الطاهرة

ذاتِ الكراماتِ الْمُعَظَّمَةِ التي//أسرارُها بين الخلائقِ ظاهرة

كم جاءها ذو فاقةٍ يرجو الغِنَى//جَبَرَتْ بتيسيرِ المعايشِ خاطرَه

-------------------------------------------------------
فائدة : جَرَتِ العادةُ عند بعضِ الناسِ أن يَنْقُلُوا من يموتُ من أقربائهم بعيدًا عن وطنهِ ليدفِنوه في وطنهِ.. وهذا لا يجوز.. ولو كان الميِّت نفسُه أوصى بذلك قبل موتهِ لا يجوز أن تُنَفَّذَ وَصِيَّتُه.. هذا حرامٌ قبل الدفنِ وبعد الدفنِ.. لكن قال بعضُ العلماء :[[إذا نُقِلَ بعد موتهِ وقبل دفنهِ إلى مَكَّةَ أو المدينةِ المنوَّرةِ فلا بأسَ في ذلك ولا حَرَجَ]].. هذا قولُ بعضِ العلماء.. قالوا :[[إنّ مِنْ شرطِ الإباحةِ أن يكونَ النقلُ إلى مَكَّةَ أو إلى المدينةِ المنوَّرةِ قبلَ الدفن]]ا

وأمّا إلى غيرِ مَكَّةَ والمدينةِ فلا يجوزُ نقلُه لا قبلَ الدفنِ ولا بعد الدفنِ، ولو كان هو أوصى بذلك لكونِ المكانِ الذي مات فيه بعيدًا عن وطنه.. وهذا الكلامُ محلُّ اتفاقٍ بين العلماءِ ولا خلافَ في ذلك بينَهم..ا

--------------------------------------------------------------

والحمد للهِ رَبِّ العالَمين..ا
---------------------------------------------------------------
د